كتب : أحمد شعرانى
تصحيح : سلسبيل العيني
أول يوم يعدي عليهم من ساعة ما جمعتهم شوارع الزمالك , من ساعة ما شافها في لحظة كانت شبه الطفلة وهي بتنطق " الله " لما وقفت قدام النيل وعرف أنها لسه محتفظة بشيئ من البراءة في حبها للطبيعة
بدون
ما يسمع سلام أو لا أله إلا الله كانت تغمض عنية وينام , ويصحى الصبح
يلاقي الموبايل عادد ساعه وفصل بعدها , فيتصل يطمن عليها ويجمعهم نفس
السؤال :" أحنا نمنا إزاي ؟!" .
النهاردة كان متأكد أنه هيكون غير لسببٍ ما , خارج عن إرادتهما ويعلم جيدا أنها ربما تطول.
تاكسي
( لف بينا شوية ) , جامعة الدول مليانه مصالح ( نسوان يعني ) بس متحرّمين
علينا , العرب بيضخّوا راس مال كبير لجلهم أما إحنا كبيرنا نوصّلهم بس ,
عارف بيقولوا إيه على سواق التاكسي إنهم ( معرتييت ) كلهم شايفنه كدا , مع
إنه مش كله والله في ناس بتاكلها من حلال " ولا أنت مش معايا؟؟ "
"تعرف
يا اسطى أنا عمري ما شربت حشيش مع أنهم بينصحوني دايما بيه خاصة في الظروف
دي , دا أنا حتى عمري ما هوّبت ناحية سيجارة , تعرف إنّ البلد اللي أنت
بتلخص شوارعها في الدعارة دي هي الوحيدة اللي تقدر تنسيني إللي جوايا ,
يمكن هو دا السبب اللي مصبرني" ترتدي عباءة لا تصلح ( للخروج ) وفي يدها طفلة لا تتعدي الرابعة من عمرها وتلوّح بيدها :" خدوني والنبي معاكم آخر الشارع "
.
أخرجت
من بين ثنايا كمّها هاتفها وتتكلم بصوت يسيطر عليه الخوف مع بعض
الاستعجال:"أنا جايه أهوه خلاص , معقولة إنت تعبان أوي كدا , طب خليك مكانك
جيالك أهوه"
أنهت المكالمة وخبطت على ركبتيها " مش عارفه إيه اللي نزّلك طالما تعبان أوي كدا"
دفعه خوفها الزائد أن يبادر بسؤال : هو ابنك؟
فردت : لأ جوزي
فقال : طب متخافيش , خير إن شاء الله إحنا معاكي.
فأخرجت خمس جنيهات وأعطتها للسائق ولكنه رفض في نظرة منه أنها تسُبه .
رجل
شعره الأبيض يتفوق على الأسود بمراحل ونضارته تخبئ خلفها أعين مريضة ,
وجسد مرمي على كرسي يوحي لك بأنه خارج من معركة في شارع محمد محمود استمرت
لأيام , منهك تماما.
نزلا هو والسائق مسرعين
سأله : مالك حاسس بأيه ؟؟
فرد وصوته يحتاج مايك : مش قادر آخد نفسي , خدوني ع المستشفي بسرعة
حملوه إلى التاكسي , وأسرعا إلى المستشفي
دخل مسرعا مخترقا باب المستشفي : فين الطوارئ معانا حالة بسرعة.
شاهد دموع ابنته الصغيرة ورفض أن يتركهما.
رفض أيضا أن يترك زوجته وابنتها الحزينة تدخل غرفة الطوارئ : خليكي هنا متخشيش أنا هكون معاه.
الطبيب : ماله؟
فرد : مش قادر ياخد نفسه
الطبيب : بقاله قد ايه؟؟
فرد : يعني تقريبا نص ساعه.
الطبيب : طب الحمد لله أنكم متأخرتوش.
جرده الطبيب من قميصه وصعق مساعده : جهاز التنفس بسرعه.
وأيضا للممرضة : رسم قلب , واعملي تحليل دم .
كان يتألم بشدة ويصرخ كما الأطفال : شيلوا لي الوجه اللي هنا ( مشاور على قفصه الصدري )
فأمسك هو بيده وقال له بابتسامه تهوينا عليه : بطل دلع متخافش , هتكون كويس J
الطبيب : ثبت جسمك كله يا أستاذ عشان رسم القلب يطلع مظبوط
قالها بعدما وضعا على صدره أجهزة وفي قدميه وفي كفيه
وقبل أن يبدأ الجهاز في العمل سأل الطبيب : تفتكر عنده إيه يا دكتور
الطبيب : باينه أوي , جلطة في القلب.
دقائق وأكد رسم القلب كلام الطبيب.
دخلت زوجته فبادر وأخرجها : جوزك كويس الحمد لله مفيش حاجة مجرد ضيق تنفس
ولكن إجراءت المستشفي الروتينية جعلتها تعرف الحقيقة.
غرفة يعلوها يافطة ( الرعاية المركزية للقلب ) , يحتل داخلها السرير الثالث مكبلا بالأسلاك الطبية
ظل موجودا يتكلم مع زوجته كي يخفف عنها , ويداعب ابنته حتى كفّت عن البكاء
عرف منها كما قالت : أنا ما ليش في الدنيا غيره
خرج الدكتور سامحا بالزيارة قائلا لها : خشّي له عشان بيسأل عليكي.
رغم
المرض والمستشفى وكلام الأطباء جمعهم الحب , يكفي أنه عندما شعر بالتعب
كانت هي أول شخص يستعين به , وثقته في محلها أنها أيضا تُحبه دخل عليه بعدها فاردا ذراعيه وبكل ابتسامة ينطق اسمه الذي عرفه أثناء ملئه استمارة الدخول : إيه يا عم عمر كدا تقلقنا عليك؟؟؟
رد قائلا : أنت شاب ابن حلال ربنا يكرمك ويصلح بيكم البلد , سيب لي أرقامك عشان أبقى اتصل بيك
قال
: طبعا هسيبهملك , لازم تعزمني ع الغدا أما تقوم بالسلامة إن شاء الله ,
وبعدين أنا خلاص اتفقت مع أم حبيبة إني هاجي أخطب البت دي.
( ربما إدخالك البسمة على قلب إنسان , يخفف من همومك )
ترك المستشفى بعدما تأكد أنه لا ينقصهم شيئ , وبعدما توافد أقاربهم كي يطمئنوا عليه
أخرج من جيبه الهاتف وهو يعلم أنها محاولة فاشلة , لكنه جرّب
( الهاتف الذي طلبته ربما يكون مغلقا ) !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق