الجمعة، 10 أغسطس 2012

ربما يكون مغلقاً


كتب : أحمد شعرانى
تصحيح : سلسبيل العيني



أول يوم يعدي عليهم من ساعة ما جمعتهم شوارع الزمالك , من ساعة ما شافها في لحظة كانت شبه الطفلة وهي بتنطق " الله " لما وقفت قدام النيل وعرف أنها لسه محتفظة بشيئ من البراءة في حبها للطبيعة


بدون ما يسمع سلام أو لا أله إلا الله كانت تغمض عنية وينام , ويصحى الصبح يلاقي الموبايل عادد ساعه وفصل بعدها , فيتصل يطمن عليها ويجمعهم نفس السؤال :" أحنا نمنا إزاي ؟!" .

النهاردة كان متأكد أنه هيكون غير لسببٍ ما , خارج عن إرادتهما ويعلم جيدا أنها ربما تطول.

تاكسي ( لف بينا شوية ) , جامعة الدول مليانه مصالح ( نسوان يعني ) بس متحرّمين علينا , العرب بيضخّوا راس مال كبير لجلهم أما إحنا كبيرنا نوصّلهم بس , عارف بيقولوا إيه على سواق التاكسي إنهم ( معرتييت ) كلهم شايفنه كدا , مع إنه مش كله والله في ناس بتاكلها من حلال " ولا أنت مش معايا؟؟ "




"تعرف يا اسطى أنا عمري ما شربت حشيش مع أنهم بينصحوني دايما بيه خاصة في الظروف دي , دا أنا حتى عمري ما هوّبت ناحية سيجارة , تعرف إنّ البلد اللي أنت بتلخص شوارعها في الدعارة دي هي الوحيدة اللي تقدر تنسيني إللي جوايا , يمكن هو دا السبب اللي مصبرني" ترتدي عباءة لا تصلح ( للخروج ) وفي يدها طفلة لا تتعدي الرابعة من عمرها وتلوّح بيدها :" خدوني والنبي معاكم آخر الشارع "
.
أخرجت من بين ثنايا كمّها هاتفها وتتكلم بصوت يسيطر عليه الخوف مع بعض الاستعجال:"أنا جايه أهوه خلاص , معقولة إنت تعبان أوي كدا , طب خليك مكانك جيالك أهوه"
أنهت المكالمة وخبطت على ركبتيها " مش عارفه إيه اللي نزّلك طالما تعبان أوي كدا"

دفعه خوفها الزائد أن يبادر بسؤال : هو ابنك؟
فردت : لأ جوزي
فقال : طب متخافيش , خير إن شاء الله إحنا معاكي.
فأخرجت خمس جنيهات وأعطتها للسائق ولكنه رفض في نظرة منه أنها تسُبه .

رجل شعره الأبيض يتفوق على الأسود بمراحل ونضارته تخبئ خلفها أعين مريضة , وجسد مرمي على كرسي يوحي لك بأنه خارج من معركة في شارع محمد محمود استمرت لأيام , منهك تماما.
نزلا هو والسائق مسرعين
سأله : مالك حاسس بأيه ؟؟
فرد وصوته يحتاج مايك : مش قادر آخد نفسي , خدوني ع المستشفي بسرعة

حملوه إلى التاكسي , وأسرعا إلى المستشفي
دخل مسرعا مخترقا باب المستشفي : فين الطوارئ معانا حالة بسرعة.

شاهد دموع ابنته الصغيرة ورفض أن يتركهما.
رفض أيضا أن يترك زوجته وابنتها الحزينة تدخل غرفة الطوارئ : خليكي هنا متخشيش أنا هكون معاه.

الطبيب : ماله؟
فرد : مش قادر ياخد نفسه
الطبيب : بقاله قد ايه؟؟
فرد : يعني تقريبا نص ساعه.
الطبيب : طب الحمد لله أنكم متأخرتوش.

جرده الطبيب من قميصه وصعق مساعده : جهاز التنفس بسرعه.
وأيضا للممرضة : رسم قلب , واعملي تحليل دم .

كان يتألم بشدة ويصرخ كما الأطفال : شيلوا لي الوجه اللي هنا ( مشاور على قفصه الصدري )
فأمسك هو بيده وقال له بابتسامه تهوينا عليه : بطل دلع متخافش , هتكون كويس J

الطبيب : ثبت جسمك كله يا أستاذ عشان رسم القلب يطلع مظبوط
قالها بعدما وضعا على صدره أجهزة وفي قدميه وفي كفيه
وقبل أن يبدأ الجهاز في العمل سأل الطبيب : تفتكر عنده إيه يا دكتور
الطبيب : باينه أوي , جلطة في القلب.

دقائق وأكد رسم القلب كلام الطبيب.
دخلت زوجته فبادر وأخرجها : جوزك كويس الحمد لله مفيش حاجة مجرد ضيق تنفس
ولكن إجراءت المستشفي الروتينية جعلتها تعرف الحقيقة.

غرفة يعلوها يافطة ( الرعاية المركزية للقلب ) , يحتل داخلها السرير الثالث مكبلا بالأسلاك الطبية
ظل موجودا يتكلم مع زوجته كي يخفف عنها , ويداعب ابنته حتى كفّت عن البكاء
عرف منها كما قالت : أنا ما ليش في الدنيا غيره
خرج الدكتور سامحا بالزيارة قائلا لها : خشّي له عشان بيسأل عليكي.



رغم المرض والمستشفى وكلام الأطباء جمعهم الحب , يكفي أنه عندما شعر بالتعب كانت هي أول شخص يستعين به , وثقته في محلها أنها أيضا تُحبه دخل عليه بعدها فاردا ذراعيه وبكل ابتسامة ينطق اسمه الذي عرفه أثناء ملئه استمارة الدخول : إيه يا عم عمر كدا تقلقنا عليك؟؟؟
رد قائلا : أنت شاب ابن حلال ربنا يكرمك ويصلح بيكم البلد , سيب لي أرقامك عشان أبقى اتصل بيك
قال : طبعا هسيبهملك , لازم تعزمني ع الغدا أما تقوم بالسلامة إن شاء الله , وبعدين أنا خلاص اتفقت مع أم حبيبة إني هاجي أخطب البت دي.


( ربما إدخالك البسمة على قلب إنسان , يخفف من همومك )
ترك المستشفى بعدما تأكد أنه لا ينقصهم شيئ , وبعدما توافد أقاربهم كي يطمئنوا عليه

أخرج من جيبه الهاتف وهو يعلم أنها محاولة فاشلة , لكنه جرّب
( الهاتف الذي طلبته ربما يكون مغلقا ) !




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق